بسم الله الرحمن الرحيم
الاستعداد لرمضان
جامع المصطفي / المنصورة :15 /9/2006 م
الحمد لله رب العالمين أكمل الدين وأتم النعمة علي المسلمين فمن زاد أو استزاد فقد زاغ وحاد وتعدي وظلم . أحمد الله وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأسأله النجاة وأرجوه الثبات يوم تذل القدم . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله واصطفاه واجتباه ووفقه وهداه فكان خيرة خلق الله .اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه إلي يوم الدين أما بعد فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين يعظ عباده المؤمنين الصادقين بسم الله الرحمن الرحيم" وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقوني يا أولي الألباب "
عباد الله أيها المسلمون :ـ
رمضان علي الأبواب فماذا أعد له المسلمون ؟ سؤال أطرحه ولابد أن يقف كل مسلم وقفة صدق مع نفسه ليجيب بموضوعية علي هذا السؤال . والجواب : الناس صنفان . صنف قد استعدوا لرمضان بملأ الثلاجات بما لذ وطاب من المطعومات والمشروبات . وكأن رمضان شهر طعام لا شهر صيام . فإذا جاء الليل قضي ليله ساهرا علي ما يسخط الله مما يعرض بالفضائيات من عري فاضح وتبرج سافر . فإذا جاء النهار قضي نهاره نائما مشلولا عن العبادة والحركة ثم بالأخير يسأل لماذا لا أجد لذة الصيام ؟ لماذا لا أجد حلاوة الإيمان ؟ هؤلاء نقول لهم قد أضعتم معني الصيام فما جعله الله إلا ليشعر الغني بما يشعر به الفقير من ألم الجوع والعطش . فكيف تحسون ألم الفقير وقد أصبحتم بهذا الوضع ! . كما أنكم أخطأتم معني الأكل فما جعله الله إلا ليأخذ به الجسم من الصحة ما يتقوي به علي العبادة ولن يكون ذلك كذلك إلا بأمرين : الأكل علي نحو ثلث البطن فقط عملا بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم " ما ملأ بن آدم وعاء شرا من بطنه بحسب بن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه " ، وتجنب الإسراف في الطعام والشراب قال تعالي " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين " وقد عبر النبي صلي الله عليه وسلم فقال " صوموا تصحوا " . لكنكم ملأتم المعدة بالطعام والشراب والرسول يقول " المعدة بيت الداء " وجاء في الخبر من أكل كثيرا نام كثيرا فاته خير كثير وجاء في الحكمة " إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة " . ثم إنكم تقضون ليلكم ساهرين علي معصية رب العالمين أين أنتم من قول رب العالمين " والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما " أين أنتم من عبد الله بن الزبير الذي لما شرب حجامة رسول الله صلي الله عليه وسلم قال له الرسول " ويل لك من الناس وويل للناس منك " فكان يقضي ليله بين يدي ربه واقفا في ركعة واحدة فإذا أذن الفجر ركع . ثم إنكم تقضون نهاركم نائمين تحققت فيكم أمنية الشيطان لما قال لرب العالمين " لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين " . بالله عليكم من كان هذا ديدنه هل تجد حلاوة الإيمان ولذة الصيام إلي قلبه سبيلا ؟ وصح في ذلك ما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان . أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما . وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله . وأن يكره أن يعود إلي الكفر كما يكره أن يقذف في النار " ولن يكون ذلك كذلك إلا إذا صام الإنسان كما أمر الله وكما علم رسول الله و( هذا هو الصنف الثاني ) فقد علمنا الدين أن الصوم علي ثلاث مراتب صوم العوام وصوم الخواص وصوم خواص الخواص .
أما صوم العوام : فيمسك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلي غروب الشمس بنية مخصوصة هي نية الصيام .
أما صوم الخواص : فهو صوم الأعضاء السبعة العينان والأذنان واللسان واليدان والرجلان والبطن والفرج .
أما العينان : فتصومان عن النظر إلي ما حرم الله . عملا بقول الله " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم " وتفعيلا لقوله تعالي " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " وليعلم الإنسان أن النظر سبب المصائب وصدق من قال
كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت قلب صاحبـــها فتك السهام بلا قوس ولا وتـــــــر
والمرء مادام ذا عين يقلبـــها في أعين الغيد موقوف علي الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجــــــته لا مرحبا بسرور عاد بالضـــــــرر
لذلك علي الإنسان أن يصون عينيه عن الحرام ويصومها عن ما يغضب الله وصدق من قال :
وعينك إن أبدت إليك مساوئا فصنها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدي وفارق ولكن بالتي هي أحسن
وأما الأذنان : فتصوم عن ما حرم الله فلا تسمع بهما غيبة ولا تتجسس بهما علي الناس واستمع بهما لما يرضي الله .
وأما اللسان :فيصوم عن الحرام .عن الخوض في الأعراض وعن السب والشتم والقذف والكذب والغيبة والنميمة والمراء والجدال وغير ذلك من أمراض اللسان . وصدق من قال :
احذر لسانك أيها الإنسان ليلدغنك انه ثعبان
وكم من رجل مات شهيد لسانه كانت تهابه الشجعان
وأما اليدان : فتصوم عن الحرام فلا تؤذي بهما مسلما " فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " . ولا تلمس بهما أجنبية لا تحل لك " فلئن تمسك النار فتحرق جلدك وتصل إلي عظمك خير لك من أن تمس امرأة لا تحل لك " . ولا تسرق بهما واسمع لربك " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسب نكالا من الله والله عزيز حكيم " . ولا تكتب بهما مالا يجوز النطق به وصدق من قال :
ما من كاتب إلا سيفـني ويفني الدهر وما كتبت يداه
فلا تكتب بيدك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه
وأما الرجلان : فلا تمش بهما في حرام واسمع لربك "ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين
وأما البطن : فتصوم عن أكل ما حرم الله. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " كل لحم نبت من سحت فالنار أولي به " .و من أكل لقمة من حرام أغلق باب الدعاء في وجهه أربعون يوما فإياك أن تصوم عن ما أحل الله وتفطر علي ما حرم الله
وأما الفرج : فيصوم عن الزنا عملا بقول الله " ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ". ويصوم عن اللواط قال صلي الله عليه وسلم " من أتي جريمة قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" ويصوم عن إتيان البهائم قال صلي الله عليه وسلم " من أتي بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه " وتصوم النساء عن المساحقة قال صلي الله عليه وسلم " سحاق النساء زنا ".
أما صوم خواص الخواص : فهو صوم القلب عن الهمم الدنيئة والنوايا والسيئة .
الثانية :
الإنسان في الدنيا له أربعة أعداء هم إبليس والدنيا والنفس والهوى . وفي رمضان يقيد واحد وهو الشيطان لقول الرسول " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وقيدت الشياطين ". وهذا يعني أن فرصة الإنسان في الانتصار علي الأعداء في رمضان أكثر من غيره لأنه في رمضان يكونون ثلاثة وفي غيره يكونون أربعة .
وصحابة النبي في رمضان يقضون نهارهم في العمل فيما يرضي الله ويقضون ليلهم في العبادة وصدق الله في حديثه القدسي في وصف المؤمنين " رهبانا بالليل ليوثا بالنهار" . ثم إنهم رسموا لأنفسهم خطة في رمضان حتى لا يضيع منهم سدي علي النحو التالي :[ رمضان والصلاة ـ رمضان والقرآن ـ رمضان الصدقة ـ رمضان وصلة الرحم ـ رمضان الدعاء ـ رمضان والدعوة إلي الله ] .
ففي الصلاة : حافظ علي الصلوات في جماعة . وحافظ علي السنن ففي رمضان . فالسنة تعدل الفريضة والفريضة فيه بسبعين فريضة .
أما القرآن : فحدد كم مرة تريد أن تختم القرآن في رمضان فلو تريد أن تختم مرة فعليك أن تقرأ في كل يوم جزء . وتختم مرتين ففي كل يوم جزأين وهكذا . فهو أفضل العبادات. قال صلي الله عليه وسلم " خير عبادة أمتي تلاوة القرآن " والرسول يقول " اتلوه فإن يأجركم علي تلاوته بكل حرف حسنة لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " .
أما الصدقة : فحافظ علي الصدقة في رمضان فخير الصدقة صدقة رمضان تأسيا بالحبيب صلي الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة " .
وأما صلة الأرحام : فابدأ بمن تخاصم " فخيرهما الذي يبدأ بالسلام ". ثم حافظ علي الرحم فهي تزيد العمر قال صلي الله عليه وسلم " من أراد أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره ويمد له في عمره فليصل رحمه " .
أما الدعاء : فأكثر في رمضان من الدعاء وخصص دعوة لإخوانك المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها . ودعوة للأقصى أن يفك الله أسره وأن يرده إلينا ردا جميلا .
وأما الدعوة إلي الله : فاحرص علي دعوة غيرك وعلم غيرك ماتعلمت من الدين عملا بقول الله "وتعاونوا علي البر والتقوى ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان " .